وظيفة “عامل فرن” تستقطب أكثر من 11 ألف لبناني.. توجُّه إلى القطاعات الحرّة؟!
بعد أن تجاوزت نسبة البطالة في لبنان الـ50%، ومع عودة عدد كبير من الأيدي العاملة الأجنبية إلى بلادها بسبب الأزمة المالية وعدم توفّر الدولار، ونتيجة الأضرار التي خلّفها انفجار مرفأ بيروت، ومع قرار التعليم عن بعد بسبب جائحة كورونا، اتّخذ سوق العمل اللبناني منحى آخر من ناحية طبيعة الوظائف المطلوبة.
يكفي إلقاء نظرة على صفحات الوظائف على “فيسبوك” أو الـwhatsapp group، لنجد أنّ أكثر الوظائف المطلوبة اليوم تندرج ضمن القطاعات الحرة أو الخدماتية، أبرزها “عمّال الديلفري، موظفون في شركات التأمين، عاملات منازل، عاملو نظافة في البلديات، مندوب مبيعات، مدرّسة خاصة، منجّد، معلّم باطون، طبّاخ، graphic designer وغير ذلك”، حتى أنّ شروط العمل وحقوق العامل اختلفت اليوم، حيث لا تتضمّن معظم الوظائف “ضمانات” للعامل، وبعضها الآخر يطلب freelancer أي أشخاص يعملون لحسابهم الخاص وغير متعاقدين مع المؤسسة أو الشركة.
وانطلاقًا من الواقع وظروف المرحلة الراهنة، أطلق رئيس بلدية “الغبيري” معن خليل مبادرة جديدة أحدثت ضجّة كبيرة في الشارع اللبناني، تمثّلت باتصال خليل بنقيب الأفران، علي إبراهيم، وإبلاغه عن استعداده لنشر إعلان لوظيفة “عمل وتدريب وتوظيف لبنانيين في الأفران اللبنانية”، وذلك بعد إعلان ابراهيم أن قطاع الأفران يعتمد على العمال الأجانب، نظرًا لعدم رغبة اللبنانيين بالعمل فيه، بالرغم من حاجة هذا القطاع إلى مئات العمال، لافتًا إلى أن ما يتقاضاه العامل بالأفران مرتبط بالإنتاج اليومي للخبز، كما أن الحد الأدنى يبلغ حوالي مليون و200 ألف ليرة لبنانية مع الانتساب للضمان.
أما المفاجأة فكانت أنه خلال سبع ساعات من نشر الإعلان، تمّ تقديم حوالي 7000 طلب توظيف، وبعد 24 ساعة أصبح العدد 11,500 طلب لوظيفة “عامل فرن”.
في هذا الإطار، نوّه الخبير الاقتصادي محمود جعفر في حديثه لـ”أحوال” إلى أهمية المبادرة التي أطلقها نقيب الأفران بالتعاون مع بلدية “الغبيري”، كونها تعطي ثقة للعامل اللبناني بالقدرة على العمل في القطاعات الخدماتية، وبامتلاكه المهارات والخبرة اللازمة، نافيًا بالمقابل ما تم تسويقه من رفض أو عدم رغبة اللبنانيين بالعمل في هذه القطاعات.
من هنا، حمّل جعفر الدولة اللبنانية مسؤولية عدم تنظيم هذه القطاعات ووضع آلية صحيحة لتشجيع اللبنانيين على الانضمام لها، فالدولة بحسب قوله “هي من أرست هذه الثقافة والمفهوم القائل إن اللبناني يرفض العمل كـ”بلّاط أو سنجري او معمرجي”، إلا أن المسألة غير مرتبطة بثقافة الشعب بل بفكر الدولة الاقتصادي الراغب بأن تستلم الأيدي العاملة الأجنبية هذه القطاعات لأسباب عديدة”، وهذا ما يربطه جعفر “بالخوف من ارتفاع الرواتب إذا تم توظيف لبنانيين وتأثير ذلك على أرباح أصحاب الشركات، وكذلك الخوف من تقديم ضمانات طبية وصحية”.
وبعيدا عن الأرقام وسط عدم وجود إحصاءات دقيقة لعدد الأيدي العاملة الماهرة في القطاعات الخدماتية والحرفية والحرة في لبنان، قال جعفر لموقعنا: “الجو العام بمجمله يؤكّد أنه بإمكان اللبنانيين الإنسجام في وظائف مماثلة، كتلك الأكثر ممارسة في مناطق البقاع والجنوب وصيدا وعكار وطرابلس”، موضحًا بالمقابل أن سبب النظرة “الدونية” لهذه الوظائف تعود إلى منافسة اليد العاملة الأجنبية وانعكاساتها المادية وخلافاتها، وليس إلى الوظيفة بحد ذاتها.
وفي هذا السياق، لفت جعفر إلى أنّ هناك شركات نفايات طلبت، بالتعاون مع بلدية “الغبيري”، يد عاملة لبنانية للعمل لديها، كما أن هناك شباب يحملون شهادات جامعية يعملون في قسم البيئة بتنظيف وجمع النفايات، مسلّطًا الضوء على أزمة حقيقية يعاني منها الشباب اللبناني، تتمثّل بمشاكل في توجيههم لوظائف سوق العمل، خصوصًا أن الاختصاصات التي يتوجّه إليها الطلاب تأتي نتيجة رغبة الأهالي من جهة بأن يكون أولادهم محامين أو أطباء أو مهندسين، أو حتى رغبة الطالب بالتخصّص في مجال سهل، من جهة أخرى”.
وعلى الضفة الموازية، رأى جعفر أن أهمية هذه القطاعات المهنية تكمن بتنمية الاقتصاد كونها تؤمّن فرص عمل كبيرة وتسمح بخلق اكتفاء ضمني “يحرّرنا من الوقوع أسرى اليد العاملة الأجنبية، حيث يمكن للبناني تطوير هذه المهن بما يحقق له أرباحًا أكبر”، بحسب قوله.
وفي الختام، أشار الخبير الاقتصادي إلى أن “هذا الرقم الكبير لعدد الطلبات التي قُدمت يشير إلى أنّ اللبناني قد يكون أدرك حقيقة وواقع وصعوبة الأزمة الاقتصادية وكيفية التعاطي معها، فهذا الشعب لم يستطع التكيّف مع الأزمات السابقة التي عصفت بالبلد، والدليل أنّه لم يتم تنظيم هذه القطاعات التي تدرّ أموالًا طائلة على الاقتصاد”، معتبرًا أن المبادرة التي أطلقتها النقابة وتبنّتها بلدية “الغبيري” كان يجب أن تطلقها وزارة العمل منذ أكثر من 10 سنوات، ضمن سياسات حكومية منظّمة، بدل إهمال القطاعات المنتجة كالقطاع الزراعي مثلًا، علمًا أن لبنان يملك آلاف الأراضي “غير المستصلحة” زراعيًا، والتي في حال استثمارها جيدًا يمكنها تأمين العديد من فرص العمل وتنشيط الحركة الاقتصادية في البلد.
باولا عطية